الإشارة حمراء
 

  للقاص :جمال الدين محمد الامين على

 

كانت تقود سيارتها الفارهة بسرعة، غير آبه بما حولها رغم إشارات التنبيه التي تلاحقها من كل قائد سيارة تخطته بصورة جنونية او أزعجته سرعتها .... غرقت مع شريط من الذكريات كان يلاحقها و يفرض نفسه عليها، كلما حاولت ان تمزق نسخه أو تتخطى الزمن .. كان يتشبث بقوه اكبر على مخيلتها حتى اصبح زائرا لا يحتاج لاستئذان.
على الرغم من جمالها الممزوج بروح طيبة .. وشهاداتها الجامعية، وعلى الرغم من أسرتها الميسورة الحال .. ووالدها مرموق المكانة بوظيفته التي اعتلاها حال تغير إحدى الحكومات .. الا أنها لا تحس بهذه الامتيازات الى جنبها بل هى ضد لها وأسباب إعاقة لمسيرة حبها الذي تكنه لفتى مشاكس.
كثير من أبناء أهلها كانوا يعرضون بضاعة حبهم وإعجابهم .. و لكن قلبها آبى اى من هذه النداءات .. لان القلب قد أوصد بابه على حب ذو النون .. الفتى المشاكس الذي شاركها قاعات المحاضرات .. لم يعيرها اهتمام بالغ كما يفعل بقية زملائها من الجنسين .. كانوا يحيطون بها ويتقربون إليها، ويحاولون ان يكسبوا ودها ورضاها بتعليق تفوهوا به او حركة قاموا بها .. أو اى شي من ذلك القبيل.
أما هو فكان يصارع آلامه .. لم يكن من أسرة ميسورة الحال .. والده مزارع بسيط فى إحدى قرى الشمال التي تقتسم العيش مع الأرض .. فالأرض هناك تحتاج للكثير حتى تعطى القليل.
كان ذا النون يهتم بدراسته في إخلاص شديد وجديه مفرطة .. وكان كأي طالب جامعي لديه نشاطاته الأخرى، فهو مبرز في شتى النشاطات الثقافية والعلمية و كذلك الرياضية حتى أصبحت سيرته على كل لسان فى الجامعة بأنه خيرة شباب بلده.

حاولت ان تستميله اكثر من مره، وحينما يبدو لها أحيانا انه قد لان لحلاوة أسلوبه معها ولباقة كلماته ... سرعان ما كانت تكتشف أنها ما زالت على العتبة الأولى من محرابه ذي الدرجات العلا، وتمر السنين و يصبح الكل على أعتاب التخرج ... وهى لا تفتر تطرق بابه فى كل مرة حتى اصبح الأمر لا يخفى على احد فى الجامعة.
بدأ ذا النون الذي نال شرف الطالب المثالي فى هذه السنة يخطط لما بعد التخرج، فهو بلا شك سوف يكون الاول على دفعته .. استوقفته كثير من المواقف فليست خديجة المهلة هى الوحيدة التي كانت تلاطفه .. بل الكثيرات منهن كن معجبات او متوددات، و إن كان دوما يزيحهن بلطف لا يجرحهن او يخدش شى من مشاعرهن بلباقته .. مستفيدا من شخصيته القوية و مواقفه الصلبة .. غير آبه بحسد زملائه من ملاطفة ذوات الخدور له.
راجع نفسه كثيرا فوجد أنه يميل إليها .. بل يحبها .. و لكنه كان يكابر ظناً أنه لن يبلغ منالها ومكانتها، ولكن ....
الحب دوماً لا يعرف المستحيل ...
استطاعت خديجة ان تصل الى البوابة الشرقية للجامعة فى الوقت المناسب .. قبيل تعليق نتائج السنة الأخيرة .. كانت سنة تخرجها في الجامعة، وسنة فراقها له ...
كانت متلهفة لمعرفة أخبار نتيجتها ودرجاتها ... ليتها تتمكن من التفوق عليه ومنافسته في عام وداعهما ...
لكن المفاجأة كانت أعظم ...
أمام باب مكتب المدير كان ذا النون يحمل لها عقد زهور ....
ألبسها العقد أمام دهشة الزملاء والزميلات ...
ونظر في عينيها عميقاً ... وأعلن ما كان يخفيه دون كلمات ...
أندفع شرطي المرور الذي كان يلاحقها إلى داخل الجامعة وهو يشطط غضبا ... تلك الفتاة الفارعة الحسناء بت الـ ... قطعت شارة المرور وهي حمراء ..
ولكن الشرطي وقف عند باب المدير ينظر بدهشة لما فعل ذا النون ... مزق أوراق دفاتره التي كتب عليها رقم لوحة سيارتها ... وضع يده على خده ينظر إليهما في اندهاش متزايد وقد اتكأ على لوحة معدنية عند مدخل الجامعة كتب عليها ...

غير مسموح بدخول العسكر و رجال الأمن.

 

جمال الدين محمد الامين على

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون