لَــوْنُ الحُزْنِ
 للشاعر :محجوب البيلي

 


كسيفٍ رائعِ الألوانِ..يتبعني

كعيدٍ أخضرٍ َيمتصٌّ لي شجني

ويملأنِي..

بفيضٍ من شبابِ النّيلِ

خصبِ النيلِ

صدقِ النيلِ.. يملأني

فاهتفُ سائرا في البردِ والعتمهْ:

أنا أهواكَ يا وطني

******
قديماً كانت الأحزانُ منسيَّهْ

وكانَ الفرحُ السيِّال منتشراً بطولِ دروبِ بلدتِنا

وممتداً بلا آخرْ

إلى أنْ كان يومٌ ما..

فتحتُ قِلاعَ مركبتي الخُرافيًّهْ:

أنا للموجةِ الحمقاءِِ والرِّيح الجنونيَّهْ

فمنذا يشتري سُفني

ويمنحُني..

نُجيماتٍ، وبعضاً من ثًرى وطنِي؟

******
ومن عينيكِ ينبجسُ النِّداءُ العذبُ: لا تحزنْ

ففي غدِنا لقاءاتٌ وأفراحٌ وشئٌ قادمٌ حتماً

وفي يدِنا مفاتيحُ الكلامِ الحلوِ.. والأشعارْ

وأعراسُ الجماعةِ، شوقُ العائدينَ وبهجةُ السُّمارُ

أيا وجهَ الحبيبِ المُضْمَرِ المعلَنْ

وفي عينيكِ لونُ الحزنِ أعرِفُه.. ويَعْرِفُني

كما وطني

******

وفي كفيكِ هذا النبعُ من كفَّيكِ، كيفَ الماءُ

لا يَجْري على بدنِي؟

وكيفَ الليلُ لا يَقْضي على الأحزانِ،

كيفَ الحزنُ في نومي يُلازمني؟

وكيف الخيلُ لا ترضى عن الفرسانْ

ولا أرضى أنا عنِّي؟

ولي في هذهِ الأيامِ عينٌ مالَها أجفانْ

ولي قلبٌ يرى الأشياءَ في وطنِي

******
أهذي أنتِ بينَ الناسِ صادقةٌ كمَا زهرُ البريةِ

أدمنَ الرَّمْضَاءْ ؟

وصافيةٌ كعينِ الماءْ

وهل أنتِ كما أنتِ، وهلْ نحنُ كما ناملْ؟

أنا.. والنَخلةُ الشَّمَّاءُ والجدولْ

أنا ..والطفلةُ السمراءُ.. لا اشهى ولا أجملْ

لنا وقتٌ لفعلِ الخيرِ في هذا الفضاءِ الواسعِ

الممتدِّ من سهلٍ إلى جبلٍ ومنْ ماءٍ إلى صحراءْ

وهذا بعضُ ما قالتْ لي البنتُ التي أعشقُها حيناً،

وما باحتْ به الريحُ التي اسمعُها حيناً،

وهذا كلُّ ما يَطلبُهُ التاريخُ من ثمنِ

أذوبُ الآنَ في الوديانِ..علَّ السيلَ يَحملُني

إلى وجهِ الحبيبِ الغائبِ المعلومِ في وطني

******

لنا في ذمةِ الأنهار ما يبقى مدى الدهرِ

ومن كفَّيكِ هذا الماءُ، من عينيكِ هذا الضوءُ

يفتحُ كُوَّةً للحبِّ أعرفُها وتعرفُني

ويحفُرُ وشمةً في القلبِ..تسكُنني

لنا في الدارِ والرملِ القديمِ وصرخةِ الميلادِ ما يُغني

لنا البسطاءُ حين كلامُ أهلِ اللهِ سالَ دماً على الكَفَنِ

وأزهرَ في رُبا وطَنِي.

******
قديماً كانَ لونُ الحزنِ غيباً خارجَ الزَّمنِ

بلا مجدٍ أطاردُهُ، ولا وجدٍ.. يُطاردُني

فأرْضي تحتَ ضوءِ الشمسِ منسابهْ

وأرضي تنبتُ الأمراءَ والفقراءَ والشعراءَ والحِنطهْ

ولي وطنٌ مزيجٌ من بحارِ الرملِ .. والإنسانِ.. والغابهْ

ولي وطنٌ يناديني فأسمعُه،

ويسبقُني فأتبعُهُ

ويتبعُني

كسيفٍ رائعِ الألوانِ.. يتبعُني

كعيدٍ اخضرٍ يمتصُّ لي شَجَني

ويملأني..

بفيضٍ من شبابِ النيلِ

خصبِ النّيلِ..

صدقِ النيل..يملأُني

فاهتفُ سائرا في البردِ والعتمهْ:

انا أهواكَ يا وطني

هذه القصيدة نشرت بصحيفة الشرق الأوسط يوم 28/2/1986.








 

محجوب البيلي

 

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون